الحرب الإيرانية الإسرائيلية- نصر أم خسارة؟ وتداعيات ما بعد المعركة

المؤلف: عريب الرنتاوي08.27.2025
الحرب الإيرانية الإسرائيلية- نصر أم خسارة؟ وتداعيات ما بعد المعركة

بعد انقضاء اثني عشر يومًا من المواجهات المحتدمة بين إيران وإسرائيل، خيم الهدوء الحذر على الأجواء، وسط توقعات قوية بأن اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه برعاية أمريكية حثيثة، سيصمد ويثبت أركانه. الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، اعتبر هذا الاتفاق إنجازًا شخصيًا بالغ الأهمية، وأكد أنه لن يسمح بتقويضه أو التفريط فيه.

ومع ذلك، لا تزال أصداء التساؤلات والتحليلات تتردد بقوة حول المرحلة اللاحقة للحرب، وتتزايد التوقعات بشأن النتائج الفعلية لهذه المواجهات وتأثيراتها المحتملة على مختلف القضايا والأزمات الإقليمية المعلقة.

السبب وراء هذه التساؤلات يكمن في الغموض الذي يكتنف حجم الأضرار والخسائر التي تكبدها الطرفان. فبالنسبة لإيران، لا تزال التقديرات متضاربة بشأن مدى الدمار الذي لحق بمنشآتها النووية الحساسة ومواقعها الإستراتيجية الهامة.

أما بالنسبة لإسرائيل، فقد فرضت الرقابة العسكرية قيودًا صارمة على المعلومات المتعلقة بالأهداف التي استهدفتها إيران، والأضرار التي قد تكون لحقت بها. وبالتالي، فإن أي حديث عن هذه المسائل لا يزال يدور في فلك التخمينات والتوقعات، حتى وإن صدر عن مصادر مهنية واستخباراتية رفيعة المستوى.

في هذا السياق، تتزاحم الأسئلة والتساؤلات في أذهان المحللين والسياسيين، بانتظار انكشاف الحقائق الكاملة بعد انتهاء العمليات العسكرية المتبادلة. وثمة اعتقاد راسخ بأن مرحلة دموية مدمرة من المواجهة قد انتهت، لتفسح المجال لمرحلة جديدة لا تقل حدة، تتسم بـ "مناوشات سياسية" على طاولات المفاوضات، حيث سيتم تقييم موازين القوى الجديدة، وستتجلى نتائج الحرب بصور مختلفة من النصر والهزيمة.

أولًا: سؤال النصر والهزيمة

ربما يكون التساؤل حول من تكبد خسائر أكبر في هذه الحرب، أدق في التعبير عن الواقع من السؤال عن المنتصر. فمفهوم "رابح-رابح" لا يعكس حقيقة الوضع بين الطرفين المتحاربين، بقدر ما يعكسه مفهوم "خاسر-خاسر". وفي "حرب الاثني عشر يومًا"، لم تتوزع الخسائر بالتساوي بين الطرفين.

فقد كان نصيب إيران من الخسائر أكبر من نصيب إسرائيل. وعلى الرغم من فشل نتنياهو في تحقيق "نصره المطلق" على إيران، إلا أنه حقق مكاسب كبيرة، أبرزها اختراق الأجواء الإيرانية على نطاق واسع دون تكبد خسائر تذكر، والاختراق الأمني الكبير الذي أدى إلى إلحاق أضرار جسيمة ببرنامجي إيران النووي والصاروخي، واستهداف العديد من القادة والعلماء، وضرب مواقع إستراتيجية تابعة للدولة والنظام.

لكن النتيجة الأهم التي كشفت عنها الحرب، وأصبحت واضحة للعيان، هي "حدود القوة" الإسرائيلية. وهي حقيقة تجلت في حرب غزة وجنوب لبنان. فقد بات معلومًا للجميع أن إسرائيل، بدون الدعم الأمريكي، ليست سوى دولة متوسطة الحجم في هذا الإقليم. وبدون الإمدادات والتدخلات الأمريكية المباشرة، كما حدث عند قصف المواقع النووية الثلاثة، ما كانت إسرائيل لتخرج من حروبها في المنطقة منتصرة ومزهوة.

في المقابل، نجحت إيران في كسر "هالة" القبة الحديدية وأنظمتها الصاروخية المتطورة، وتمكنت من ضرب أهداف في عمق إسرائيل وامتدادها الجغرافي، مخلفة صورًا للدمار لم نعتد عليها إلا في المدن والعواصم العربية.

هذا التطور سيترك بصمته في الذاكرة الجمعية للإسرائيليين، وربما لأجيال قادمة، وسينضم إلى مشاهد السابع من أكتوبر، ليشكل كابوسًا يؤرق "واحة الأمن والازدهار" التي يزعمون أنها مخصصة لليهود.

إلا أن الرد الإيراني، على الرغم من أهميته، لم يكن كافيًا، وظلت الفجوة واسعة بين الخطاب المليء بالتهديدات، والأفعال على أرض الواقع.

كان يتعين على إيران أن ترفع فاتورة التجاوزات الإسرائيلية لسيادتها ومخزونها الإستراتيجي إلى أقصى حد، ليس فقط بدافع الانتقام لما تعرضت له، بل أيضًا لاستعادة توازن الردع، وتجنب تكرار "نموذج لبنان" ما بعد اتفاق 27 نوفمبر، الذي تسعى إسرائيل لتعميمه على مختلف المسارات والساحات.

على أية حال، ما زلنا بحاجة إلى مزيد من الوقت والمعلومات لتقييم حجم الخسائر في صفوف الطرفين، قبل إصدار أحكام نهائية بشأن النصر والهزيمة.

وحتى ذلك الحين، سنظل نراقب احتفالات الطرفين المتزامنة بالنصر، وسنتابع التحليلات المتضاربة حول الرابح والخاسر. وهذا وحده دليل على أن أيًا منهما لم يحقق نصرًا مطلقًا أو ساحقًا.

ثانيًا: سؤال السياسة بوصفها امتدادًا للحرب كذلك

تتوق واشنطن وطهران للجلوس إلى طاولة المفاوضات، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة. فبالنسبة لإسرائيل، لا يمثل التفاوض خيارًا مقبولًا إلا إذا استسلم الطرف الإيراني ورفع الراية البيضاء.

لكن هذا السيناريو مستبعد، ونتائج الحرب لا تزال تمنح طهران هامشًا للمناورة. فهل ستسفر المفاوضات عن اتفاق مؤقت (إعلان مبادئ)، أم عن اتفاق نهائي، كما يطمح دونالد ترامب؟ وهل ستقبل إيران بمعادلة "وقف التخصيب": تعليق مؤقت، تحالف دولي، وغيرها من الصيغ المطروحة؟

وهل ستوافق إيران على فرض قيود على برنامجها الصاروخي بعد أن أثبت فعاليته في الحرب الأخيرة (من حيث الحجم والعدد والرؤوس الحربية والمدى)؟ وماذا عن علاقة إيران ببقية أطراف ما كان يعرف بـ "محور المقاومة"، وهو المصطلح الدبلوماسي لتخفيف حدة العبارة الأمريكية "دور إيران المزعزع للاستقرار الإقليمي"؟ هل ستبقى هذه العلاقة على حالها، أم ستخضع لإعادة تقييم وتعديل؟

تجاوزت واشنطن حديث رئيسها عن "تغيير النظام" وعادت للتركيز على "تغيير السياسات". أما إسرائيل، فلا تتبنى نفس التوجه، ولا تزال مقتنعة بأن القضاء على التهديد الإيراني يتطلب تغيير النظام. وهي مهمة ستواصل تل أبيب العمل على تحقيقها، وإن بأدوات مختلفة.

لقد ذكرنا سابقًا، في سياق الحرب، أن معيار النصر والهزيمة بالنسبة لإيران يتمثل في قدرتها على الحفاظ على حقوقها في برنامج نووي سلمي، ودورة تخصيب على أراضيها، حتى وإن كانت تخضع لرقابة وتحقق وشفافية استثنائية، بالإضافة إلى الحفاظ على برنامجها الصاروخي الذي يمثل "قوة الردع" الوحيدة التي تمتلكها، لأغراض دفاعية وهجومية. فإذا نجحت إيران في تحقيق هذه الأهداف، فإن الإنجاز يستحق الثمن الذي دفعته في هذه الحرب، وعلى مدى سنوات وعقود من المعاناة تحت وطأة الحصار والعقوبات الدولية. وإذا لم يتحقق ذلك، فسيكون نتنياهو قد قطع شوطًا كبيرًا نحو تحقيق "نصره المطلق".

نقول ذلك، مع الأخذ في الاعتبار أن تجريد إيران من هذين البرنامجين، لن يجعلها مكشوفة الظهر وعاجزة فحسب، بل سيؤدي أيضًا إلى تطورات داخلية لاحقة، قد لا ندرك مدى عمقها وأهميتها.

ثالثًا: سؤال التماسك الداخلي هنا وهناك

وحدت الحرب الجبهات الداخلية لكل من إيران وإسرائيل، وتراجعت الخلافات والانقسامات بين الكيانات والمكونات. لكن هذا الوضع لن يستمر طويلًا. فسيعود نتنياهو لمواجهة "عقدة غزة" المثيرة للانقسام الداخلي، بالإضافة إلى قضيتي "الحريديم" والإصلاح القضائي. وهو يتمتع بوضع مثالي اليوم، ويمكن القول إنه "انتصر" شخصيًا في هذه الحرب: شعبيته في ذروتها، وعلاقاته مع واشنطن والعواصم الغربية تحسنت بشكل ملحوظ. ولهذا بدأ يفكر في تنظيم انتخابات مبكرة لتجديد قيادته و"شرعيته" وائتلافه. وإذا لم يفعل ذلك الآن، فقد يفقد هذه الفرصة النادرة. فالانقسامات في إسرائيل عميقة وجذرية، والتحديات الخارجية تخفف من حدتها، لكنها لا تلغيها.

في إيران، الوضع مشابه، على الرغم من اختلاف الظروف والسياقات. فتوحيد الجبهة الداخلية أثناء الحرب لن يمنع عودة الانقسامات لاحقًا. وقد يشتعل الصراع حول "خيارات إيران ما بعد الحرب" بشكل غير مسبوق، بين من يريد المضي قدمًا في النهج "الثوري" المقاوم، ومن يفضل العودة إلى المجتمع الدولي والاقتصاد العالمي، والاهتمام بالقضايا الداخلية.

وسوف يتفاقم هذا الجدل بسبب التحديات الناجمة عن متطلبات إعادة إعمار ما دمرته الحرب، وكذلك بسبب التحقيق، إذا تم إجراؤه، في التقصير الذي رافق هذه الحرب، ومكن إسرائيل من استهداف قادتها وعلمائها.

كيف ستنتهي هذه التفاعلات الداخلية على جانبي الحرب، وما هي التداعيات المحتملة على صعيد السياسة الخارجية وبقية أزمات المنطقة، وموازين القوى فيها واصطفافاتها.. تلك أسئلة لا تزال مجهولة.

رابعًا: سؤال غزة

الأهم من كل ذلك هو كيف ستنعكس نتائج الحرب واتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل على قطاع غزة، والحرب التي تشن عليها منذ أكثر من عشرين شهرًا، والتي تتضمن الحصار والتطهير والتجويع والإبادة.

فحرب إسرائيل على إيران لم تبدأ من أجل غزة، ولم تنتهِ باتفاق يشملها. وهذه الحقيقة تعيد إثارة التساؤلات حول المحور ووحدة الساحات وانفصالها. والأهم من ذلك، أن نتنياهو، الذي خرج "منتصرًا" من هذه الحرب، أصبح بإمكانه المضي قدمًا في غزة، في كلا الاتجاهين: استمرار الحرب أو وقف إطلاق النار.

يمكنه استغلال شعبيته المتزايدة لتحقيق أهداف حربه على القطاع، خاصة أنه يعتقد أن حماس أصبحت أضعف بعد الحرب مع إيران، بسبب إضعاف حلفائها. إلا أن الحسم في غزة سيستغرق عدة أشهر، وقد تتآكل خلالها شعبيته الصاعدة، وقد يواجه انتخابات مبكرة في ظروف أسوأ، خاصة إذا تعرضت حياة الأسرى المحتجزين لدى حماس للخطر.

ومن ناحية أخرى، فإن الانتخابات المبكرة قد تخلصه من سيطرة بعض حلفائه الأكثر تطرفًا، وبالتالي يتمكن من التوصل إلى اتفاق مع حماس، يلبي رغبة الأغلبية الإسرائيلية التي تريد إغلاق ملف غزة والرهائن، دون خشية من تفكك الائتلاف الحكومي. فالكرة الآن في ملعب نتنياهو شخصيًا.

ومع ذلك، يجب علينا أن نراقب باهتمام كيف سيتصرف دونالد ترامب في ملف غزة. فهل سيرجح فكرة "السلام الشامل في المنطقة" للدفع باتجاه صفقة في غزة، أم أنه سيمتنع عن ممارسة المزيد من الضغوط على حليفه في تل أبيب، بعد أن مارست ضغوطًا كبيرة عليه للالتزام باتفاق وقف إطلاق النار مع إيران؟

إن مزاجية ترامب وتقلباته السريعة تجعل من الصعب التنبؤ بما سيقدم عليه، والأيام القادمة وحدها ستكشف ما إذا كان تفاؤل البعض بقرب انفراج الأزمة في غزة في محله، أم أنه سابق لأوانه.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة